بعد مضي خمسة أشهر على تحرير محافظات جنوب اليمن من قبضة الحوثيين وقوات صالح، سيطرت عناصر “القاعدة” و”داعش” على معظم مناطق هذه المحافظات.
منذ يومين، بدأت السلطات اليمنية حملة عسكرية وأمنية لتطهير مدينة عدن، التي اختيرت عاصمة مؤقتة للبلاد، من عناصر تنظيمي “داعش” و”القاعدة”؛ لكنها تراجعت عن ذلك بسبب الخوف من حرب شوارع، تهدم ما تبقى من المدينة، التي دُمرت أجزاء كبيرة منها أثناء القتال مع المسلحين الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
الخطة الحكومية أُعدت بعد سيطرة عناصر إرهابية على عدد من أحياء العاصمة المؤقتة، وحملة اغتيالات يومية، تجاوزت ثلاثين عملية في الشهر الماضي، واستهدفت ضباطا في الاستخبارات وقضاة، وبلغت القصر الرئاسي.
و كانت قبل ذلك قد استهدفت المقر المؤقت للحكومة، كما استهدفت المحافظ السابق للمدينة، الذي قتل مع حراسه في عملية انتحارية، تبناها “داعش”.
غير أن تعثر هذه الخطة يظهر حجم التحدي، الذي تواجهه الحكومة، ويبرز حجم قوة الجماعات الإرهابية، وخاصة بعد إغراق المدينة بالأسلحة، التي تم نهبها من مخازن الجيش، وتلك، التي جاء بها التحالف، الذي تقوده السعودية إلى المسلحين، الذين يقاتلون إلى جانب الحكومة المعترف بها دوليا.
و قد تمكنت مجاميع إرهابية من الانخراط في العمليات القتالية، وحرصت على اقتناء كميات كبيرة من الأسلحة، لاستخدامها بعد ذلك في بسط سيطرتها على المدينة، كما فعلت في مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، التي لا تزال تحت سلطة “القاعدة” حتى يومنا هذا.
و لأن تركيز السلطات والتحالف كان منصبا على هزيمة تحالف الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح، فإن الجماعات الإرهابية تحركت بحرية، وسيطرت على مديريات في عدن، وأمكن لسكانها مشاهدة هؤلاء في الشوارع وفي المنشآت الحكومية.
و فيما بعد، أعلنت هذه الجماعات سيطرتها على ميناء المدينة الرئيس، وهاجمت مبنى التلفزيون الحكومي ونسفته؛ وهي اليوم تتخذ من عدة أحياء منطلقا لعملياتها وتحركاتها.
و الفراغ الذي خلفه خروج الحوثيين وقوات الرئيس السابق في معظم محافظات جنوب اليمن، لم تسده قوات التحالف، التي ترابط في قواعد خاصة في مدينة عدن. ولذا تسيطر عناصر “القاعدة” على أجزاء من محافظة شبوة، التي يوجد فيها أكبر وأهم منشأة لتصدير الغاز الطبيعي المسال. كما أن هذه العناصر تسيطر على عدة مدن في محافظة أبين، مسقط رأس الرئيس عبد ربه منصور هادي، على بعد خمسين كيلومتراً من العاصمة المؤقتة عدن.
و الى الغرب، يسيطر خليط من المتطرفين التابعين لتنظيمي “القاعدة” و”داعش” على عاصمة محافظة لحج، التي لا تبعد أكثر من خمسة وعشرين كيلومتراً عن عدن. ولم يتمكن المحافظ، الذي عينه هادي، من ممارسة عمله من مقر المحافظة.
و كما حصل في بلدان أخرى، فقد انهارت قوات الشرطة، واندثرت بصورة كاملة؛ وانتشر المسلحون مختلفو الولاءات بدلا منها. و لذا سعت الحكومة لضم المجاميع المسلحة، المعروفة بالمقاومة، وهي في الأساس عناصر تتبع للحراك الجنوبي، الذي يطالب بانفصال الجنوب عن الشمال، و أُخرى تتبع التيار السلفي و حزب الإصلاح؛ وذلك على أمل تشكيل قوات محلية، تتمكن من ضبط الأوضاع في المدينة، بما يسمح بعودة الحكومة إليها، لكنَّ هذه المهمة لم تنجز إلى الآن.
و لا تقتصر التحديات، التي تواجهها الحكومة اليمنية، على وجود العناصر الإسلامية المتطرفة، بل تشمل أيضا فصائل ما يعرف بـ”المقاومة”، سواء في عدن وأبين أم في لحج والضالع؛ حيث قامت هذه العناصر بإغلاق الشوارع، والسيطرة على الميناء لكي يتم تجنيد منتسبيها في الشرطة والجيش أو علاج المصابين منهم. وقامت هذه العناصر بالسيطرة أمس (09 02 2016) على المبنى الإداري لمحافظة الضالع، و طردت المحافظ منه.
و ما كان مأمولا من قوات التحالف، هو وضع خطة لسد الفراغ، الذي سيخلفه خروج “أنصار الله” وقوات صالح من المدن، التي كانت خاضعة لسيطرتهم. لكنَّ من الواضح أن هذه الدول لا تريد المجازفة والتضحية بجنودها في اليمن بعد مقتل العشرات منهم في عدن ومأرب وتعز؛ ولذا لجأت إلى تدريب وتشكيل قوات نظامية جديدة، على أمل أن تتولى هذه المهمة.